إنَّ الحمد للَّهنحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذبالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنامن يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلاهادي له وأشهد أنْ لا إله إلاَّ اللهوحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداًعبده ورسوله .
وبعد،،،
إعلم أنَّ الله سبحانه وتعالى لمَّاأرسل رسوله محمداً صلى الله عليهوسلم بالهدى ودين الحق هيأ لهأصحاباً كراماً شرَّفهم بصحبتهوتلقي الشرعية فصاروا هم مقدمالعلماء وطليعتهم وحرصوا غاية الحرصوبذلوا ما يستطيعون في حمل الشريعةعنه صلى الله عليه وسلم وقاموا بذلكعلى الكمال والتمام فكان ذلك منأسباب فضلهم ونبلهم وشرفهم وكل منجاء بعدهم لهم المنة عليه لأنهمالواسطة بين الأمة ورسولها صلى اللهعليه وسلم وهكذا الأمر لمن بعدهم منالتابعين وأتباعهم والعلماء منبعدهم سلسلة متصلة الحلقات .
ثمَّ هؤلاء العلماء قد جمعوا بينالرواية والدراية فجمعوا بين الفقهوالحديث؛ومعرفة الآثار وحفظهاواستيعابها وبين الفقه فيها؛ فكانلهم التمكن في الفهم والمعرفة .
فالواجب على الأمة من بعدهم وخاصةطلبة العلم أن يوقروا العلماء وذلكيتم بمحبتهم وامتلاء القلوب بها،وإجلالهم اللائق بهم وذكرهم بالخير،والثناء عليهم، وحمل ما يأتي منهمعلى أحسن المحامل ، واعتقاد أنهم بشرواجتهادهم دائر بين الأجر أوالأجرين، ولا يتكلم فيهم أحد إلاَّبخير، فمن ذكرهم بغير ذلك وحط منشأنهم ما ضرَّ إلاَّ نفسه ( 1 ).
فالنهج السوي الذي يجب أن يسلكه طالبالعلم وغيره في حق سلف هذه الأمةالذين بذلوا أعمارهم وبذلوا قصارىجهدهم في جمع العلم وتقريبه للأمة منبعدهم، فمن حقهم علينا الحمد والثناءوذكرهم بالخير وامتلاء القلوببمحبتهم .
ومن أحسن ما جاء في التنبيه على هذاالأمر كلمة لأبي جعفر الطحاوي فيعقيدته المشهورة حيث قال : "وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهممن التابعين ــ أهل الخبر والأثروأهل الفقه والنظر ــ لا يذكرونإلاَّ بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهوعلى غير السبيل( 2 ).
وهذا هو تحقيق معنى قوله تعالى: ( ربَنَااغْفِرْ لَنَا ولإِخْوَانِنَاالذيْنَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانوَلاَ تَجْعَلْ فِيِ قُلُوبِنَاغِلاًّ لِلَذِيْنَ آمَنُوُاْرَبَنَا إِنَكَ رَؤُوُفٌ رَحِيِمْ )، فلا تكونن ممنغلا ولا ممن جفا فكلا طرفي قصد الأمورذميم ( 3 ). واعلم أنه لا يغلوا فيهمإلاَّ جاهل بحقيقة الشريعة، ولايجفوهم إلاَّ جاهل بمقدار الأئمةوفضلهم ( 4 ) ، فإنَّ لهم حرمة ترعىوحقاً يجب أن يؤدى( 4 ) .
*وها نحن نضع بين يديك أخي الطالبترجمة موجزة للأئمة الأربعة لتعلمفضلهم وسابقتهم :
الإمام أبو حنيفة رحمه الله (80 ـ 150 هـ) |
** هو النعمان بن ثابتمولى بني بن ثعلبة .
تفقه على حماد بن أبي سليمان وغيره .
ومن تلامذته : زفر بن الهذيل العنبري،والقاضي أبو يوسف، ونوح بن أبي مريم،وأبو مطيع البلخي، والحسن بن زياداللؤلؤي، ومحمد بن الحسن الشيباني،وحماد بن أبي حنيفة، وخلق .
قال الذهبي رحمه الله : " برعفي الرأي، وساد أهل زمانه في التفقه ،وتفريع المسائل، وتصدر للاشتغال،وتخرج به الأصحاب" ثمَّ قال : "وكان معدوداً في الأجواد الأسخياء،والأولياء الأذكياء، مع الدينوالعبادة والتهجد وكثرة التلاوة،وقيام الليل رضي الله عنه "(5 ).
وقال ابن كثير رحمه الله :"الإمام أبو حنيفة... فقيه العراق،وأحد أئمة الإسلام، والسادةالأعلام، وأحد أركان العلماء، وأحدالأئمة الأربعة؛ أصحاب المذاهبالمتبوعة، وهو أقدمهم وفاة " ( 6 ).
وقال ابن العماد في " شذرات الذهب": " وكان من أذكياءبني آدم، جمع الفقه والعبادة، والورعوالسخاء، وكان لا يقبل جوائز الدولة؛بل ينفق ويؤثر من كسبه، له دار كبيرةلعمل الخز وعنده صنَّاع وأجراء رحمهالله تعالى"( 7 ) .
وقد أورد الذهبي وابن كثير وابنالعماد المقولة المشهورة عن الإمامالشافعي فيه حيث قال :" الناس فيالفقه عيال على أبي حنيفة "( 8 ) .
وقال سفيان الثوري وابن المبارك : " كانأبو حنيفة أفقه أهل الأرض في زمانه"(9 ).
فرحمه الله رحمة واسعة ورضي عنهوأجزل له المثوبة .
الإمام مالك بن أنس ( ت 179 ) |
** هو أبو عبد الله مالكبن أنس الحميري الأصبحي ،،،
أخذ عن نافع ولازمه، وعن سعيدالمقبري، والزهري، وابن المنكدر،ويحي بن سعيد القطَّان، وأيوبالسختياني، وأبي الزناد، وربيعة،وخلق .
وروى عنه من شيوخه: الزهري، وربيعة،ويحي بن سعيد، وغيرهم .
ومن أقرانه : الأوزاعي، والثوري،والليث، وخلق .
وروى عنه أيضاً : ابن المبارك، ومحمدبن الحسن، والشافعي، وعبد الرحمن بنمهدي، والقعنبي، وخلائق ( 10 ) .
قال الذهبي رحمه الله تعالى :" هوالإمام العلم شيخ الإسلام " ثمَّ قال :"عظيم الجلالة، كثير الوقار" ثمَّ أورد قولابن سعد في الطبقات فقال : " كانمالك رحمه الله ثقة، ثبتاً، حجة،فقيهاً، عالماً، ورعاً "( 11 ) .
قال ابن كثير رحمه الله :" أحدالأئمة الأربعة؛ أصحاب المذاهبالمتبوعة" ثمَّ قال : "ومناقبهكثيرة جداً، وثناء الأئمة عليه أكثرمن أن يحصر في هذا المكان " ( 12 ) .
وقال ابن العماد في" شذرات الذهب": " إمام دار الهجرة" ثمَّقال :"شهير الفضل"( 13 ) .وقد أوردالعلماء قول الشافعي فيه :" إذاجاء الحديث فمالك النجم" وقال :" منأراد الحديث فهو عيال على مالك " ( 14 ) .
فرحمه الله رحمة واسعة، ورضيعنه،وأجزل له المثوبة .
الإمام الشافعي رحمه الله ( 150 ـ 204 هـ ) |
هو محمد بن إدريس أبوعبد الله الشافعي المكي المطلبي،الفقيه، نسيب رسول الله صلى اللهعليه وسلم .
تفقه على مسلم بن خالد ( فقيه مكة )،وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون،ومالك بن أنس، ومحمد بن الحسن، (الفقيه )، وخلق سواهم .
وتفقه به جماعة منهم : الحميدي،والقاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل،وأبو ثور، والمزني، والربيع بنسليمان المرادي، والبويطي، وخلقسواهم .
قال الذهبي رحمه الله :"الإمام العَلَم،... الفقيه، نسيب رسولالله صلى الله عليه وسلم " وقال:" كانالشافعي ــ مع عظمته في علم الشريعةوبراعته في العربية ــ بصيراً فيالطلب نقل ذلك غير واحد " ( 15 ) .
وقال ابن كثير :" وقد أثنى علىالشافعي غير واحد من الأئمة منهم :عبد الله بن مهدي، وقد سأله أن يكتبله كتاباً في الأصول فكتب له الرسالةوكان يدعو له في صلاته، وكذلك أثنىعليه شيخه مالك بن أنس، وقتيبة بنسعيد ــ وقال هو إمام ــ، وسفيان بنعيينة، ويحي بن سعيد القطّان ــ وكانيدعو له أيضاً في صلاته، وأبو عبيدالقاسم بن سلام ــ وقال : ما رأيتأفصح، ولا أعقل، ولا أورع من الشافعيــ، ومحمد بن الحسن، وخلق كثير، وكانأحمد بن حنبل يدعو له في صلاته نحواًمن أربعين سنة، وكان أحمد يقول إنهمجدد المائة الثانية ... إ.هـ مختصراً (16 ).
وقال ابن العماد الحنبلي في "شذراتالذهب" : " فقيه العصر،والإمام الكبير" ( 17 ).
وقال إسحاق بن راهويه: لقينيأحمد بن حنبل بمكة، فقال : تعال حتىأريك رجلاً لم تر عيناك مثله . قال:فأقامني على الشافعي ( 18 ) .
وقال الإمام أحمد:"ما أحد مسَّمحبرة، ولا قلماً؛ إلاَّ للشافعي فيعنقه منة" وقال:" كان من أفصحالناس "( 19 ).
فرحمه الله رحمة واسعة وأجزل لهالمثوبة ورضي عنه .
الإمام أحمد رحمه الله ( 164 ـ 241 هـ ) |
** هو أبو عبد الله أحمدبن محمد بن حنبل الذهلي الشيبانيالمروزي ثمَّ البغدادي .
من شيوخه : سفيان بن عيينة، والقاضيأبو يوسف، ووكيع، وعبد الرحمن بنمهدي، والشافعي، وخلق كثير .
وروى عنه من شيوخه: عبد الرزاق،والشافعي، وخلق .
ومن تلاميذه: البخاري، ومسلم، وأبوداود .
ومن أقرانه: علي بن المديني، ويحي بنمعين، وخلق .
وقد ترجم له الذهبي في" تاريخالإسلام " بترجمة طويلة ومما أوردهفيها قول الإمام الشافعي رحمه الله :"خرجت من بغداد، فما خلفت بها رجلاًأفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى منأحمد "وقال:" ما رأيت أعقل منأحمد " .وقال إسحاق بن راهويه:" ومارأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل " . وقال ابن معين:" مارأيت مثل أحمد" ( 20 ) .
وقال ابن كثير رحمه الله:" وقدطاف أحمد بن حنبل في البلاد والآفاق،وسمع من مشايخ العصر، وكانوا يجلونهويحترمونه في حال سماعه منهم " ثمَّ قال:" وقدقال الشافعي لأحمد لمّا اجتمع به فيالرحلة الثانية إلى بغداد سنة تسعينومائة ــ وعمر أحمد إذ ذاك نيفوثلاثون سنة ــ قال له:" يا أبا عبدالله، إذا صحَّ عندكم الحديث فأعلمنيبه أذهب إليه؛ حجازياً كان أو شامياًأو عراقياً أو يمنياً " ثمَّ قال ابن كثيررحمه الله معلقاً على ما تقدم :"وقول الشافعي له هذه المقالة تعظيملأحمد، وإجلال له، وأنه عنده بهذهالمثابة، إذا صحَّ أو ضعف يرجع إليه.وقد كان الإمام بهذه المثابة عندالأئمة والعلماء، كما سيأتي ثناءالأئمة عليه، واعترافهم له بعلوالمكانة؛ في العلم والحديث، وقد بدُرصيته في زمانه، واشتهر اسمه فيشبيبته في الآفاق " ( 21 ) .
ثمَّ ذكر جملة في فضائله وشمائلهوثناء الأئمة عليه .
فرحمه الله رحمة واسعة، ورضي عنه،وأجزل له المثوبة .
ومن لطيف ما ذكر ابن كثير في ترجمتهحديث " نسمة المؤمن طائر تعلق فيشجر الجنة" فقد رواه الإمام أحمدعن الإمام الشافعي وعن الإمام مالكثمَّ ساق الإسناد ( 22 ).
رحم الله الجميع