الجوع كما نعرف جميعًا كافر لكنه يُكفِّرك أنت ربما، بينما لا يجعلك
تُكفِّر الآخرين أبدًا، لا الجوع ولا الفقر يمكن أن يجعل من الشخص متطرفًا
دينيًا أو إرهابيًا، والنظريات التي تفتي بأن الوضع الاقتصادي هو السبب
وراء موجات التطرف والتعصب الديني والطائفي تفتقد الدقة وتتعري من الصواب
حين تكتشف أن ثمانية عشر شابًا من التسعة عشر الذين نفذوا عملية 11سبتمبر
كانوا سعوديين أغنياء وبعضهم كان مرفهًا، قائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن
ملياردير سعودي من عائلة هائلة الثراء كما أن نائبه أيمن الظواهري طبيب
غني من عائلة ثرية وشهيرة أحد أبنائها كان شيخًا للأزهر، كلاهما إذن دليل
علي أن التطرف ليس بالفقر أبدًا، طبعا هناك متطرفون من أوساط وعائلات
وطبقات فقيرة لكن ليس بسبب الفقر أصبحوا متطرفين بل بسبب الفكر وهو نفس
الفكر الذي يدفع كثيرين من الأغنياء أو الطبقة المتوسطة للتطرف بل للإرهاب.
إذن
ما السبب الذي يجعل المصريين والعرب يتطرفون دينيًا؟
ليس الفقر ولا
الضغوط الاقتصادية بالقطع؛ لأن التطرف ينتشر في مصر والجزائر والسعودية
وليبيا واليمن وتونس مثلا وهي دول لا يجمعها وضع اقتصادي واحد بل يربطها
العامل الحاسم في صناعة التطرف الديني.. هذا العامل هو الاستبداد!
الحكم
السلطوي والسلطة الاستبدادية هي التربة الخصبة للتطرف الديني، ابحث معي
بأمانة عن أي مجتمع يلد تطرفًا دينيًا ستجده مجتمعًا مستبدًا ويتربع عليه
زعيم أبدي ينفرد بالسلطة ويحتكر الحكم، طبعًا ستجد متطرفين في كل الدنيا
ومنها البلاد الديمقراطية ولكن ليس بهذا التمركز ولا الانتشار ولا التكاثر
ولا الاستمرار أو الديمومة، فالمجتمعات العربية الاستبدادية هي التي تنتج
بنشاط مذهل كل يوم ملايين المتطرفين.
عندما يصبح الرئيس حاكمًا بأمر
الله ويتحول الملك إلي ظل الله علي الأرض، وحينما لا تستطيع المجتمعات
تغيير حكامها ولا مواجهة استبدادهم فالخلاص الوحيد هو الفساد والرشوة والحل
الفردي والانتهازية الشخصية والعنف الوحشي من جهة أو التطرف الديني من جهة
أخري، فالديمقراطية تعلمك سماع كل الآراء والتعبير الحر عن النفس والتسامح
مع الخصوم والمختلفين والقبول بالآخر والتحاور البناء الإيجابي والصراع
والتنافس الشرعي واحترام سيادة القانون والمساواة والسواسية بين الجميع،
ولكن الاستبداد يعلمك النفاق والرياء والطاعة للحاكم والطبل والزمر له
والانسحاق أمامه وكراهية الآخر وتخوين المعارضين وتكفيرهم وعدم احتمال
الاختلاف.
الاستبداد يصنع كل مقومات الشخص المتطرف وهي:
1-
المسايرة.
2- الخضوع.
3- الاستسلام.
والمواطن في مصر
كما في السعودية كما في ليبيا وتونس مثلا تتوفر فيه كل هذه المقومات التي
تربي عليها ونشأ وترعرع، ولذلك حين يقف التطرف علي الباب يستقبله الاستبداد
مرحبًا به بين أهله: حللت أهلاً ونزلت سهلاً... جدًا.