تكاتف بين أعضاء اللجان الشعبية بمصر
السكان أخذوا على عاتقهم حماية أحيائهم بعد حدوث الفراغ الأمني
أظهرت الانتفاضة الشعبية الحالية بمصر أشكالا متنوعة من التعاون والتكافل بين المصريين، سواء بين المتظاهرين خلال تحركهم في الشوارع أو تجمهرهم بالميادين، أو بين الأهالي، خاصة عبر لجان الحماية الشعبية الموجودة في الشوارع والميادين، أو التي تتحرك لإبداء النصح وتقديم الدعم والمساعدة عند الضرورة.
خارج ميدان التحرير قال محمود رشاد (25 عاما) إنه شارك في إحدى المظاهرات التي انطلقت من مسجد النور بالعباسية شرق القاهرة يوم جمعة الغضب، إذ خرجت الجموع عقب صيحة أحدهم "لا إله إلا الله.. تحيا مصر، تحيا مصر"، على غير اتفاق أو موعد أو معرفة، والتحمت الأمواج البشرية لتنضم إلى نظيراتها القادمة من أنحاء القاهرة نحو التحرير.
وأضاف أن مظاهر التعاون والتكاتف تبدي المتظاهرين وكأنهم أصدقاء منذ أمد، فهناك من يؤكد سلمية المظاهرة وعدم الانجرار لتحرشات المندسين أو بعض رجال الشرطة، وهناك من نصحه بعدم شرب الماء بعد استنشاق الغاز المدمع الذي أطلقته الشرطة، والاكتفاء بوضع منديل على أنفه.
وداخل ميدان التحرير، يتحدث عماد الكاشف (43 عاما) بسعادة بالغة عن الأجواء الحميمية والتعاون والتكافل، عندما تتوزع المهام بين الجميع لإنجاح "ثورة" يرونها من صناعتهم، ويكافحون حتى تصل لنتائجها.
وقال إن كل قادم للانضمام إلى المظاهرة يخضع لتفتيش من لجنة مخصصة لذلك للتأكد من تحقيق الشخصية، رغم أن الجيش يقوم بذلك أيضا، إضافة إلى "ما رأيته من قيام أفراد بتوزيع طعام وماء على المتظاهرين، في مشهد مبهر لم أره في حياتي، ويمثل بالنسبة لي ولكثيرين يوما تاريخيا مشهودا في مصر".
أما على صعيد اللجان الشعبية التي تحمي المنازل والأحياء، فقد أكد عدد من المشاركين فيها أن الأزمة الحالية عمقت العلاقات بين الجميع، واستطاع الجار أن يعرف جاره من حيث الاسم والوظيفة وأحوال أبنائه، بعد أن كان لا يعرف إلا شكله.
"
أعضاء اللجان يتحدثون عن ضرورة استمرار هذا التكاتف والتعاون حتى بعد انتهاء هذه الأزمة، للاستفادة منها في تطوير أداء المجتمع المدني من جانب، ولمواجهة أي أزمات قد تطرأ مستقبلا
"
فرصة للتعارف
محمود عاشور (صاحب محل لبيع اللوحات) قال إنه لم يتعرف على جاره فرج عبد السلام (مدير فنادق عائمة) إلا من خلال سهر الليالي والساعات الطوال لحماية منطقتهما الكائنة شرق القاهرة، مما عمق العلاقات بينهما.
وتحدث عاشور أيضا عن وجود تعاون رائع بين سكان عمارات جامعة عين شمس وسكان المنطقة المقابلة، إذ يفتقد سكان هذه العمارات للأعداد والمكان المناسب للتمترس، فيقوم أصحاب الأدوار العليا بمتابعة الوضع على الأرض، وإعطاء إشارة متفق عليها للمنطقة المقابلة في شارع ترعة الجبل المليء بالأفراد لإغاثتهم.
كما يقوم عدد من شباب المنطقة بتسيير دوريات على نقاط التفتيش للاطمئنان على الوضع وسماع أي أخبار جديدة لتبليغها، مثل احتمال قدوم اللصوص في زي ضباط أو ضباط صف أو في سيارات شرطة أو إسعاف، فيما يقوم آخرون بتوزيع الطعام والمشروبات على الجالسين والساهرين داخل هذه اللجان.
وقام بعض الشباب بابتكار أساليب لمنع وقوع إشكالات، عبر التأكيد على كلمة سر معينة أو لبس قطعة قماش واحدة، لكي يعرف أعضاء اللجان بعضهم بعضا عندما يتحركون في الظلام.
وتجلى التعاون أيضا من خلال التناصح بين المواطنين بضرورة عدم تخزين المواد الغذائية، وحصول كل أسرة أو فرد على احتياجاته فقط، حتى لا يؤثر ذلك على نصيب الآخرين، كما ظلت الأسعار تقريبا دون زيادة ملحوظة.
وفي الجلسات التي يعقدها كهول وشيوخ الحي المشاركون في القيادة الرمزية لشباب اللجان الشعبية، يتداولون أحوال البلد ويتحدثون عن ضرورة استمرار هذا التكاتف والتعاون حتى بعد انتهاء هذه الأزمة، للاستفادة منها في تطوير أداء المجتمع المدني من جانب، ولمواجهة أي أزمات قد تطرأ مستقبلا بكفاءة أكبر من جانب آخر.