[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط](( البعبــــــــع ))
كاد أن يطلق عليه الجميع لقب " أبو القبلات " .. أو لعلهم قد فعلوا ذلك .. هم لم يفعلوا ذلك من فراغ .. أو بطريقة عشوائية .. فالرجل كان يهوى .. بل ويعشق " التقبيل " .. ويؤمن بها سياسة ناجعة إلى حد كبير في علاقاته الاجتماعية متعددة الجوانب .
لم يكن الرجل يتوان لحظة عن الاندفاع نحو أي شخص يلتقيه .. متجاوزاًً عملية المصافحة باليد إلى التقبيل مباشرة .. ومتجاوزاًً كل الخطوط الحمر فيما لو كان الأمر يتعلق بامرأة ؟؟!! .
الرجل .. يبدو وكأنه بصدد الدخول إلى معركة انتخابية في كل لحظة ؟؟!! .. بل لعله كان يعد لها سلفاً وبشكل مدروس ؟؟!! .
لم يتوقف الرجل عن عادته تلك .. والتي أصبحت جزءاً متمماً لشخصيته .. بل لعلها الجزء الأهم في شخصيته وحياته .
لم يتوقف الرجل عن عادته تلك عن طيب خاطر ، بل توقف عنها مكرهاً .. وهو الذي كان يعتبرها أهم عنصر في " البرستيج " الخاص بشخصه .. والمتمم الطبيعي لأناقته المتناهية .. وزينته المبتذلة .. ورقته المفتعلة ..
توقف عن " التقبيل " في البداية مكرهاً ... واكتفى بالسلام والمصافحة باليد .. ولسان حاله يقول ... وخاصة بينما كان من يصافحه امرأة : " أليس من قبلة ؟؟!! .. " ساق الله على أيام زمان ؟؟!! " .
ما هي سوى فترة وجيزة أخرى .. حتى كان الرجل يتوقف عن تأدية السلام والمصافحة باليد .. بعد أن رسخت في ذهنه فكرة احتمالية انتقال العدوى إليه من أحد المصافحين .. والذين – يحتمل – إصابتهم بالمرض ؟؟!! .. رغم اتخاذه جانب .. بل كل جوانب الحيطة والحذر المتناهية .. وبلا حدود .
فزجاجات العطر و " الكولونيا " الفاخرة لا تفارق جيبه .. بل جيوبه .. يخرجها بين الفينة والأخرى ليضع منها كميات لا بأس بها على يديه ، بعد كل مصافحة ومصافحة ؟؟!! .
جيوبه الداخلية .. ملأى بشتى أنواع العلاجات والأدوية والمقويات والمضادات الحيوية .. يتناولها كلما مر الهاجس في ذهنه .. وكلما مر في خاطره شبح انتقال المرض إليه.
ثم توقف عن السلام والمصافحة باليد .. اكتفى بالتحية والتلويح باليد عن بعد ..
آثر الابتعاد والانزواء عن الجميع خشية انتقال العدوى اللعينة إليه .
اشترى كميات كبيرة من المواد التي تؤخذ ساخنة .. والمواد الطبية الأخرى .. والأعشاب الطبية .. وكدسها في المنزل .. وراح يتعاطاها بشكل غريب .. فأحدث شحاً في هذه المواد من السوق .. مما أدى على ارتفاع أسعارها أضعافاً مضاعفة ؟؟!!
لم يعد يشارك القوم أفراحهم وأتراحهم .. ولم يعد يشاركهم الاجتماعات والمناسبات المختلفة خشية تسرب الفيروس اللعين إلى أنفه وخياشيمه ؟؟!
ابتاع كمية كبيرة من " الكمامات " وجمعها من الصيدليات ومخازن الأدوية وكدسها في بيته لتشكل هرماً متواضعاً غريباً ؟؟!!
اعتزل الصلاة في المسجد خشية انتقال العدوى إليه من المصلين .. وآثر الصلاة في المنزل .. ثم لم يلبث أن تركها بعد أن تحسب من انتقال العدوى إليه من " سجادة الصلاة " ؟؟!!
كان مشهده أكثر من غريب وهو يسير في طرقات الحيّ شاحب الوجه .. وقد غربت الابتسامة عن وجهه ، وحل محلها الهم والحزن والكمد .
كان يضع على أنفه وفمه أكثر من " كمامة " ؟؟!! ليطمئن إلى عدم نفاذ الفيروس اللعين إلى أنفه وخياشيمه ؟؟!!
يبتعد عن أي شخص يحاول الاقتراب منه .. لا ليقبله .. أو ليصافحه .. بل ليحييه .. مجرد تحية .. فيكتفي بتحيته عن بعد على عجالة .. وقد حاول كل جهده الابتعاد عنه بما فيه الكفاية ؟؟!! ثم يخرج زجاجة العطر من أحد جيوبه العديدة ويدلقها بين يديه ؟؟!! .
في مرحلة متقدمة .. آثر الانزواء في المنزل .. وفضل عدم الاحتكاك بالجميع خشية انتقال العدوى إليه ..
كان يطلب من زوجته وأولاده .. أن يقوموا بتنظيف حجرة نومه بكافة أنواع المطهرات .. ومواد التنظيف باهظة الثمن .. ثم يتولى تعطير جو الحجرة بشتى أنواع " معطر الجو " المستورد من أرقى دور الصناعة الغربية ؟؟!! .
في البداية .. أحس الرجل بألام خفيفة في أنفه .. وما يشبه دبيب النمل .. ثم لم يلبث أن انتقل إلى خياشيمه ؟؟!!
تأكد بأن الطامة الكبرى قد ألمت به .. وأحس بأن يوم القيامة قد أزف ؟!.
استدعى كبار الأطباء إلى منزله .. فأحال حجرة النوم إلى حجرة تمريض .. أشبه ما تكون بمشفىً صغير ؟؟!! ... بعد أن رفض الانتقال إلى مستشفى المدينة ؟؟!!
الأطباء بدورهم لم يتوانوا عن النصح والإرشاد .. بالنصائح العديدة المتوالية .. و " الروشتات " المتتالية .. وبالأدوية عالية القيمة .. غالية الثمن كطلب المريض في كل الأحوال ؟! .
بدا الرجل شاحباً .. حزيناً .. هزيلاًً .. تجسد له الهاجس بأنه قد أصيب بالفيروس اللعين .. رغم كل الاحتياطات التي قام بها .. وأن الفيروس لا محالة قد توطن في أنفه وخياشيمه وجهازه التنفسي .. فأصيب بالهلع .. وحل به الجزع .. واستبد به الخوف .
ٍأصيب الرجل بالهوس ... راح يتناول شتى أنواع الأدوية باهظة الثمن ..
" الكمامة " بدورها لا تمكث سوى عدة دقائق على أنفه وفمه .. ثم يلقي بها بعيداً في سلة المهملات " المعقمة " ليضع كمامة أخرى على أنفه وفمه بعد أن يعقم يديه بكميات كبيرة من المواد المطهرة والعطور المستورد .. ثم يكرر العملية باستمرار ..
شعر بأن العلاج لا يأتٍ بالنتائج المرجوة .. فلقد ازداد به الهزال .. والشحوب .. والضعف .. وأحس بأنه حالك لا محالة .
طرأت إلى ذهنه المرهق فكرة .. راح يعمل على تحقيقها فوراً .. فلقد توصل على قناعة ذاتية بأن الأطباء المحليين غير ناضجين .. غير مؤهلين لعلاج مثل هذه الحالات .. وكذلك فإن هذا الدواء .. غير ناجع كعلاج على الإطلاق ؟؟!!
سيطرت عليه فكرة السفر والانتقال إلى الداخل .. حيث الطب والأطباء الذين هم على مستوىً عالٍ جداً من الدراية والخبرة والعلم .. وحيث الدواء الناجع الشافي .
الإجراءات الروتينية السهلة – بالنسبة له بالطبع ؟؟!! – كانت في منتهى اليسر والسهولة .. بعد أن تمت جميع الإجراءات اللازمة للانتقال إلى الداخل .. إلي أحد المشافي الراقية جداً في فلسطين المحتلة ؟؟!! حيث الطب .. الأطباء .. العلاج ..
على المعابر الحدودية بين قطاع غزة المحاصرة .. المثقلة بالهموم والمرض والحصار اللعين .. وبين فلسطين المحتلة .. كانت الإجراءات بالنسبة له شكلية وأسهل بكثير من أمر انتقال شخص عادي ما بين مكان عمله في مدينة ومكان سكناه الواقع في المدينة ذاتها ؟؟!! .
وصل إلى المستشفى الراقي في المدينة الكبيرة بسيارة إسعاف خاصة .. مجهزة بكل وسائل الراحة والمتابعة .. وتم إدخاله أرقى الأجنحة .. واحتضنه أجمل سرير .. وقام بزيارته الفورية رئيس الأطباء في المستشفى .. ترافقه مجموعة من الأطباء " الطبيبات على وجه التحديد " للكشف والتمريض والمعاينة تمهيداً للبدء في العلاج ..
بعد وقت طويل .. .. بل طويل جداً .. كان الطبيب .. رئيس الأطباء .. يخرج من الحجرة الأنيقة التي يرقد فيها الرجل .. يتوجه إلى مكتبه الفخم مباشرة .. وليشرع في كتابة التقرير الطبي ..
أمسك رئيس الأطباء بالقلم .. وخط على إحدى أوراق المستشفى أمامه ..:
" لم تأت النتيجة النهائية للمريض نتيجة لإصابته بالفيروس .. فالمريض خالٍ تماماً من الفيروس .. ولكنها كانت نتيجة لسكتة قلبية مفاجئة .. أدت إلى وفاته.