شاهدت، كملايين غيرى، صور الشاب محمد سليم
مسالم
الذى قتله أهالى بلدة «كترمايا» فى جنوب لبنان. كان المشهد بشعا
لدرجة
أصابتنى بذهول لم أتمكن معه من السيطرة على مشاعرى لساعات. لم يكن
السبب
يعود إلى أن المجنى عليه مصرى الجنسية أو مسلم الديانة، فلو حدث ما
حدث
لأى إنسان آخر، أيا كانت جنسيته أو دينه، لانتابتنى مشاعر الغضب
والازدراء
نفسها. ولم يكن السبب يعود أيضا إلى جريمة القتل فى حد ذاتها،
فالمجنى
عليه كان جانياً أيضا، وقيل إنه ارتكب جريمة قتل لطفلين صغيرين
ولجديهما
الطاعنين فى السن، وهى جريمة شديدة البشاعة. السبب الحقيقى
لما عانيته
يعود إلى أن الجريمة التى ارتكبت فى حق الشاب جماعية وليست
فردية،
وبالتالى عكست سلوكا جماعيا همجيا، كنا نظن أن البشرية تجاوزته منذ
زمن
سحيق. فمرتكب الجريمة لم يكن فردا أو مجموعة أفراد وإنما قرية بأكملها
خرجت
عن بكرة أبيها ليحظى كل فرد فيها بشرف المشاركة فى الانتقام، ولم يكتف
الأهالى بقتل ضحيتهم، وإنما راحوا يمثلون بجثته وقاموا بتعليقها فوق ربوة
كى
يتسنى للجميع أن يشاركوا فى حفل التمثيل بالجثة، كل على طريقته!لا
تبرير للجريمة أيا كانت، لكن الفرق كبير جدا بين جرائم يرتكبها أفراد
وجرائم
ترتكبها جماعات. فالأولى نتاج نفوس بشرية أودع فيها الله نوازع الشر
مثلما أودع نوازع الخير، ويمكن لإحداها أن تتغلب على الأخرى فى أى لحظة
نتيجة
لخلل طارئ أو دائم يصيب الأجهزة أو الأنظمة التى تتحكم فى سلوكها
السيكولوجى
أو البيولوجى. أما الثانية فنتاج نظم حضارية وثقافية وسياسية
واقتصادية
واجتماعية. وبينما يستحيل استئصال الجرائم التى يرتكبها
أفراد، لأنها
تتعلق بالنفس البشرية الأمارة بالسوء، وهى واحدة فى كل مكان
يستوى فيها
الأبيض والأسود، الغنى والفقير، المتعلم والجاهل.. إلخ، يمكن
معالجة
الجرائم الجماعية بالعمل على تأسيس نظم سياسية أو اجتماعية أرقى
وأكثر
تحضرا. لذا كانت صدمتى كبيرة أن تقع جريمة بمثل هذه البشاعة فى بلد
كلبنان
ارتبطت صورته فى ذهنى بالجمال والرقة والعذوبة.أدرك أن
للبنان وجهاً
آخر تعرفت عليه حين زرت بيروت لأول مرة فى صيف عام ١٩٩٠. كانت
الحرب
الأهلية قد توقفت قبل أيام قليلة، وكان الدمار والخراب يكسوان كل
معالم
المدينة ويغطيان كل شبر فيها. ورغم ذلك لم تفقد لبنان أبدا حبها
الطاغى
للحياة. لكن يبدو أن نظامها الطائفى، والذى جعلها تدور فى حلقة
مفرغة،
أضعف مؤسسات الدولة إلى درجة تكاد تسقط فكرة القانون هناك من
أساسها.خشيت،
وأنا أتابع المشهد البشع، أن يكون للحادث خلفية سياسية
أو مذهبية أو
له علاقة بأحكام صدرت فى مصر ضد «خلية حزب الله»، وتنفست
الصعداء حين
علمت أن القرية ليست شيعية. وإذا كانت الجريمة التى ارتكبها
محمد بشعة،
فالجريمة التى ارتكبها أهالى القرية اللبنانية أبشع. لذا يجب
ألا تمر
بدون عقاب، درءاً للفتن القادمة! فنحن فى زمن الفتنة، والمتربصون
كثر،
ويجب ألا نعطيهم الفرصة أبدا