رصدت دورية فورين أفيرز الأمريكية حالة الحراك السياسى التى شهدتها مصر فى
الأسابيع الأخيرة بعودة البرادعى، وقالت فى مقال كتبه الباحث المتخصص فى
الشأن المصرى ستيفن كوك تحت عنون "بطل مصر" إن عودة البرادعى قد أثارت
تساؤلات عن النظام السياسى وحكم الرئيس مبارك، وما إذا كان الإصلاح ممكناً،
وهل يمكن أن يكون البرادعى هو الشخص الذى يقود عملية الإصلاح.
فى البداية يذكر الكاتب بمقال كتبه فى دورية فورين أفيرز فى الربيع الماضى،
تحدث فيه عن العقبات التى تحول دون ظهور نظام حكم أكثر ليبرالية فى مصر.
وعلى الرغم من المطالب الشعبية بالتغيير السياسى والتى تزايدت خلال السنوات
العشرة الأخيرة.
ثم يقول إنه على مر السنين، رأى المراقبون الأجانب أن المصريين يفضلون
التغيير السياسى من خلال تحليل بيانات وأفعال النشطاء المصريين من جميع
الأطياف: الإخوان المسلمين، وجماعة صغيرة من الليبراليين والناصريين
والقضاة والبيرقراطيين وقادة الاحتجاجات العمالية. إلا أن هؤلاء المراقبين
لم يكونوا قادرين أبداً على تحديد المسار الفعلى للإصلاح السياسى. فى
الواقع، لقد أفرز النظام السياسى فى مصر منهجاً يبدو عصياً على التغيير.
فنظام حسنى مبارك أثبت تكفيه مع كل الضغوط الداخلية والخارجية، وأنه ليس
هشاً أو عرضة للتحديات السياسية.
وخلال الأسابيع الستة الأخيرة، حدث تطوران هامان من الممكن أن يؤثران على
مسار السياسة فى مصر بشكل كبير. الأول هو خضوع الرئيس مبارك لعملية جراحية
فى بداية مارس الجارى. والرئيس مبارك قد بلغ من العمر الآن 81 عاماً وهو
السن الذى من الممكن أن يموت عنده المرء فجأة أو لا يعانون أبداً من أمراض
أو مضاعفات يمكن أن تصيبهم. وقد أدت طول فترة تواجده فى المستشفى بألمانيا
إلى جعل كثير من المصريين يتساءلون عما إذا كان سيخوض الانتخابات الرئاسية
القادمة عام 2011، ومن يدير البلاد بالفعل فى الوقت الحالى. وقد أدى مرض
مبارك إلى زيادة حدة النقاش الوطنى المستمر منذ عام بشأن من سيكون خليفته
فى نهاية الأمر. وعلى الرغم من أن آليات الانتقال تبدو وكأنها قد تحددت،
إلا أن هناك حالة من الشك لا تزال تدور حول من يخلفه. وأغلب المؤشرات
المتاحة للرأى العام تشير إلى أنه سيكون ولده جمال.
ويرى كوك أن الحدث الثانى الأكثر أهمية هو عودة البرادعى إلى مصر الذى
طالما لعب دوراً هاماً كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويصفه بأنه
تكنوقراطى عنيد حيث يبدو أن علاقته ببلده الأم غامضة بشكل سمح له مشاركة
أكثر حرية فى تحسين الحكم العالمى. وهذا يجعل من المدهش إلى حد ما بالنسبة
للبرادعى حالة الضجة السياسية التى أثارها منذ أن وطأت طائرته مطار القاهرة
فى فبراير الماضى.
وبعد أن سرد كوك موقف القوى السياسية من البرادعى وتشكيل جبهة وطنية لتغيير
الدستور، قال إن إنشاء هذه الجبهة إلى جانب تصريحاته العلنية ساعدت على
تضخيم ظاهرة البرادعى وهو ما تجلى فى زيادة عدد المؤيدين له عبر الفيس بوك
والذين بلغوا 82.069 ألف مقارنة بــ6.583 ألف مؤيد لجمال مبارك. وساهمت
التغطية الإعلامية فى تضخيم شعبية البرادع وتوقع خطواته القادمة.
ويشير الكاتب إلى أن عدد الأصدقاء على الفيس بوك هو مقياس بسيط لمعرفة
السلطة الفعلية أو المحتملة فى البيئة السياسية المحدودة للغاية فى مصر.
فمؤسسات الدولة المصرية اتجهت نحو إبقاء الوضع على ما هو عليه، مما جعل من
الصعب على المعارضة أن تتنظم. فضلا عن ذلك، فإن الإصلاحيين الطامحين يتحدون
شرعية الدولة. ويبدو أن البرادعى يفهم حقيقة الحياة السياسية فى مصر، وهذا
ما يفسر عدم التزامه بخوض انتخابات الرئاسة.
إلا أنه يبدو من نوعية المناور السياسى الذى يمكن أن يستغل الفجوة بين
خطاب النظام حول قضايا النمو الاقتصادى والإصلاح السياسى والتقدم
الاجتماعى، والواقع الذى يهيمن عليه القمع السياسى والفقر والمدارس دون
المستوى المطلوب وانهيار البنية التحتية الوطنية.
وعبر تاريخ مصر الحديث كان هناك آخرين ممن حاولوا لعب هذا الدور. أبرزهم
سعد الدين إبراهيم الناشط الحقوقى، وأيمن نور العضو المستقل فى البرلمان،
وكلاهما دخل السجن نتيجة لنشاطه. وكانت الدولة المصرية قادرة بسهولة على
تحييد إبراهيم والادعاء كذباً على نور.
ولا يواجه البرادعى المصير نفسه. فما يبدو أنه نقطة ضعفه الكبيرة وهى بقاؤه
خارج مصر أثناء توليه منصبه فى الوكالة الذرية، هى فى الواقع نقطة قوته.
فمكوثه فترة طويلة فى فيينا يعنى أن النظام ليس لديه شىء ضده. فلا يمكن أن
يوجه إليه اتهامات بالفساد أو المخالفات الانتخابية والمغالطات المالية أو
تحريض الإسلاميين أو أنه أداة فى يد الولايات المتحدة، فقد اشتبك البرادعى
مع واشنطن مراراً.
وقد بدأت الحكومة المصرية فى وضع إستراتيجية لاحتواء الزخم السياسى الناشئ
عن عودة البرادعى. التلميح الأول جاء من الرئيس مبارك الذى قال إن مصر ليست
بحاجة إلى بطل قومى، وذلك بعد أن حاولت الصحافة الحكومية تشويه سمعة
البرادعى زاعمة أنه ساهم فى غزو العراق عام 2003، ويسعى الآن لإثارة
الخلافات الطائفية والإثنية فى مصر.
إلا أنه أصبح واضحاً أن النظام يدرك صعوبة تقليص البرادعى. فى الحقيقة،
ربما يسمح مبارك ومستشاروه للبرادعى باستنهاض الهمم والتنظيم وربما خوض
الرئاسة، وهو ما يمكن أن يساعد النظام فى أمر هام: وهو أنه يمكن لمبارك
وآخرين فى الحكومة استخدام وجود مرشح رئاسى ذى مصداقية كدليل على الإصلاحات
السياسية فى مصر بدون خداع.
ويرى الكاتب أن ظاهرة البرادعى أثارت تساؤلات حتمية عما يجب أن تفعله
واشنطن. بعض المراقبين رأوا أن عودة البرادعى أوجدت بيئة يمكن أن تلعب فيه
الولايات المتحدة دورا إيحابيا فى دفع أسباب الإصلاح إذا اقتربت إدارة
أوباما من البرادعى بحذر.. ويذهب هذا الرأى إلى أن الرأى العام المصرى لا
يمكن أن يساعد نفسه وليس لديه مصالح أو سياسات خاصة به، ومن ثم فإنه سيطلب
تدخل واشنطن. وهذا الرأى غير صحيح كما يرى كوك ويصفه بأنه غير حكيم.
ويستطرد قائلاً إن العلاقة الوثيقة بين مصر والولايات المتحدة أصبحت عاملاً
سلبياً فى السياسة المصرية، واستخدمت المعارضة هذه العلاقة للتقليل من
شرعية النظام. وإذا كان البرادعى فرصة جادة لتحقيق الإصلاح السياسى فى مصر،
فإنه ينبغى على صناع السياسة الأمريكيين أن يخدموا ذلك بعدم التدخل بقوة.
ويخلص الكاتب فى نهاية مقاله إلى القول بأنه ليس مدهشاً أن الرئيس مبارك لا
يستطيع أن يقرأ بدقة الرغبات والآمال السياسية للمجتمع المصرى، لتقدمه فى
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]السن. وعلى العكس مما قاله، فإن المصريين يتطلعون إلى بطل وأنهم لم يعودوا
يرغبون فى الرئيس الحالى. فى المقابل يبدو أن الكثيرين منجذبون لمحامٍ
يرتدى نظارة طبية يبدو أنه لديه الشجاعة للتعبير عن قناعاته. وقد كشف
البرادعى عن أن النظام الحالى أجوف وغير شرعى .