طالبت الدول العربية، فى عمود أمس،
بالتخلى عن منهج «حل الصراع»، الذى أثبتت «العملية السلمية» التى امتدت
لأكثر من ربع قرن أنه وهم، والعودة إلى منهج «إدارة الصراع» الذى لم تتخل
إسرائيل نفسها عنه طوال فترة البحث عن «تسوية». وهى عودة تفرض على الدول
العربية تبنى استراتيجية جديدة تتطلب إجراءات عاجلة وأخرى آجلة على
الصعيدين الجماعى والفردى.فعلى الصعيد الجماعى يتعين عليها: ١- أن
تقوم فوراً بسحب مبادرتها للتسوية وتحميل إسرائيل مسؤولية ما قد يترتب على
هذه الخطوة من إجراءات بسبب إهمالها بل وتحديها لها منذ صدورها عام ٢٠٠٢
حتى الآن. ٢- إعادة إحياء وتبنى مفهوم «عروبة القضية الفلسطينية»
بكل ما يرتبه ذلك من مسؤوليات، مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار تباين أوضاع
الدول العربية الموقعة على معاهدات سلام مع إسرائيل والدول الأخرى.٣-
مساعدة الشعب الفلسطينى على إعادة ترميم أوضاعه على أساس التمسك بالثوابت،
وفى مقدمتها الحق فى مقاومة الاحتلال بكل الوسائل بما فيها المقاومة
المسلحة، وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية على أسس تمثيلية جديدة مع
تحديد واضح لآليات اتخاذ القرار ولطبيعة العلاقة مع السلطة الفلسطينية.أما
على الصعيد الفردى فيتعين على الدول العربية أن تتحرك فى اتجاه سد الفجوة
القائمة بين الدول الموقعة على اتفاقيات أو معاهدات سلام مع إسرائيل والدول
الأخرى. وبينما يتعين على دول المجموعة الأولى الشروع فوراً فى تجميد
التطبيع مع إسرائيل، وفق خطة متدرجة متفق عليها، بالعودة إلى مفهوم «السلام
البارد» الذى سبق استخدامه بنجاح فى بعض المراحل، والسعى لإيجاد آلية
للربط بين التطبيع وبين التوصل إلى اتفاقيات سلام شامل على كل المسارات
المتبقية. أما الدول العربية الأخرى التى لا ترتبط بمعاهدات سلام
فعليها أن تتخلى نهائيا عن سياسة «الهرولة» تجاه إسرائيل وأن تشرع فوراً فى
تصفية الآثار التى أدت إليها فى مرحلة سابقة تحت دعوى تشجيع إسرائيل على
المضى قدما فى عملية السلام.ولا جدال عندى فى أن عودة الدول العربية
إلى تبنى هذه البديهيات من شأنها أن تساعد فى حد ذاتها على خلق دينامية
جديدة فى المنطقة تسهم فى ترشيد عملية إدارة الصراع فى المرحلة القادمة،
وربما تجبر إسرائيل والدول الغربية المتحالفة معها، خاصة الولايات المتحدة
الأمريكية، على إعادة تحديد مواقفها على نحو قد يمهد الطريق إلى الدخول فى
مفاوضات وفق أسس ومرجعيات وآليات جديدة، تعيد للشرعية الدولية اعتبارها
وقدرتها على الفعل والتأثير سواء على مسيرة المفاوضات نفسها أو على نتائجها
المتوقعة. أما إذا لم يتحقق التغيير المأمول فعلى الدول العربية أن
تستخلص الدروس المستفادة، استعداداً لمرحلة جديدة من مراحل إدارة الصراع
بطريقة جماعية جديدة تستخدم فيها الوسائل الأكثر فعالية فى تحقيق الأهداف
المتفق عليها. لكن ذلك مرهون فى جميع الأحوال بقدرة مصر على الخروج من
مأزقها الراهن.