«لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا»:
مقولة يعتقد كثيرون أن الأحداث التى عصفت بالمنطقة منذ انطلاق «عملية
التسوية» فى سبعينيات القرن الماضى قد أثبتت صحتها. غير أن هذا الاعتقاد
يجب أن يؤخذ بحذر شديد. صحيح أن خروج مصر من معادلة الصراع العسكرى حال دون
اندلاع حرب عربية - إسرائيلية شاملة، لكنه لم يقيد من حرية إسرائيل فى شن
حروب وغارات عدوانية على كل من ترغب فى تأديبه من الدول العربية فى أى وقت
تريد، بدليل حروبها المتكررة على الجنوب اللبنانى ثم على لبنان كله وأخيراً
على غزة، وكذلك غاراتها التى لم تنقطع على العديد من الدول العربية،
كالعراق وتونس والسودان وسوريا. وصحيح أيضا أن صمود سوريا قد حال
دون تمكين إسرائيل من فرض شروطها الكاملة للتسوية على كل العالم العربى،
لكنه لم يحل دون تمكينها من تهويد القدس وزرع المستوطنات فى كل مكان فى
الضفة الغربية، إلى أن أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تصفية القضية الفلسطينية
برمتها. غير أن أهم ما يتعين أن يلفت النظر هنا أن خروج مصر
المنفرد من الصراع العربى - الإسرائيلى منذ أكثر من ثلاثين عاماً لم يسهم
فى تحويلها إلى دولة متقدمة، وأن استمرار انخراط سوريا فيه لم يؤد إلى
انهيارها أو استسلامها. فإذا أضفنا إلى ذلك أن الصراعات العربية -
العربية زادت كثيراً بعد انطلاق «عملية التسوية» عما كانت عليه قبلها
لأدركنا بوضوح تام أن هذه «العملية» صُممت لتمكين إسرائيل من تحقيق أهدافها
بوسائل أخرى.وهناك درس مهم، بات على الجميع استخلاصه من هذه
الحقائق، وهو أنه لن يكون بمقدور أحد بمفرده أن ينجو من أتون هذا الصراع أو
يحقق النصر فيه. فنحن هنا لسنا إزاء خلاف على حدود بين دول وإنما نخوض
صراع وجود ضد مشروع صهيونى يستهدف قتل روح الأمة العربية كلها، مما يفرض
على الأمة حشد طاقاتها فى مواجهته وإلا حُكم عليها بالفناء. وبعد أن
ثبت بالدليل القاطع أن خروج مصر من ساحة الصراع أضعفها وأضعف العالم
العربى معها، أظن أنه آن الأوان كى يدرك الجميع أن عودة الروح للعالم
العربى لن تتم قبل أن تعود روح مصر إلى نفسها.لم يكن من قبيل الصدفة
أن يؤدى خروج مصر من معادلة الصراع إلى تصفية القطاع العام، وضرب الصناعة
الوطنية، والاعتماد على المعونات الخارجية، واتساع الفجوة بين الأغنياء
والفقراء، وعودة هيمنة رأس المال على الحكم، كما لم يكن ظهور مشروع توريث
السلطة فيها سوى محاولة لتثبيت الأوضاع لصالح قوى داخلية وخارجية مستفيدة
من استمرارها. لذا يجب أن يكون مفهوما أن معركة الدفاع عن موقع مصر
ومكانتها الإقليمية والدولية وتمكين مصر من الالتحام بأمتها العربية هى
الوجه الآخر لمعركة الدفاع عن الشرعية فى الداخل. ومن هنا قناعتى بأن
التأسيس لنظام ديمقراطى فى مصر هو بداية الطريق السريع ليس فقط نحو التنمية
والتقدم فى الداخل، وإنما أيضا نحو تطبيع العلاقة مع العرب وترشيد إدارة
الصراع مع إسرائيل.