هل ما تقوله نوع من الأمل والطموح أم أنه
أحلام المدينة الفاضلة؟- هو أمل وطموح، وليس مدينة فاضلة، ففى
العالم ١١٤ دولة ديمقراطية مهما اختلفت مستوياتها، ولكننا جردنا الناس من
أبسط حقوقهم وجعلناهم يشعرون بأن الحياة الكريمة ضرب من ضروب الخيال، وأن
الطبيعى هو الاعتقال، ونحن لدينا برلمان لا يعبر عن الشعب، وسلطة قانونية
منتقصة حقوقها، فعندما يقولون إن هذا انقلاب دستورى لمجرد مطالبتى
بالديمقراطية، أقول إنه حان الوقت لفكرة الديمقراطية، فلو أن هذا انقلاب
دستورى فأنا أرحب بالانقلاب الدستورى.■ الناس يتساءلون.. حتى يلتفوا
حولك لابد من وجود مشروع، متى ستقدم للناس مشروعاً كاملاً؟- لن
أستطيع تغيير شىء إلا إذا آمن الناس بضرورة وأهمية ما أقول، والحل فى
المجتمع المدنى الذى يجب أن يكون مؤمناً بأهمية ذلك، وأن نجد توقيعات من
النقابات المختلفة مثل نقابتى المحامين والأطباء يؤيدون فيها هذا التوجه،
وإن لم يحدث ذلك «فما على الرسول إلا البلاغ».■ لكن بعض النخبة
تطالب البرادعى ببرنامج؟- أرى أن قضية البرنامج سطحية نوعاً ما،
فعندما أقدم برنامجاً تفصيلياً عن التعليم، فهذا يعتبر عملية مبكرة وسابقة
لأوانها، لكننى أستطيع أن أخبره بأن التعليم غير جيد، ولن أستطيع أن أخبره
بشكل التعليم المتميز، لأنها قضية تحتاج للجلوس مع خبراء لوضعها ولتحديد
أولوياتنا الاقتصادية والاجتماعية، فالإطار العام يجب وضعه أولاً من
ديمقراطية وشفافية، وعندما تقبل كمواطن بذلك سأضع لك برنامجاً، ودائماً ما
نقول بأن مشكلاتنا لديها خصوصية رغم أن مشكلاتنا تشابه مشكلات كل دول
العالم النامى فى ١٠٠ دولة، وحلولنا هى نفس الحلول مثل الهند وإندونيسيا،
وهذا هو تعبير العجز، فلو عايز تصلح فالحل معروف.قبل أن تستغرقنا
السياسة وتبتعد بنا بشكل مباشر عن هدف حوارنا، عدت بسرعة لأبحث فى عقله عن
أفكار قد تكون السياسة على هامشها، لكن الأصل فيها أنها تعبر عن تكوين
إنسان اسمه محمد البرادعى.■ سألته: هل كانت شقيقات البرادعى محجبات؟-
لا، لم يكنَّ كذلك، وأيضاً والدتى، والدتى أصبحت اليوم محجبة بسبب المناخ
الاجتماعى الجديد.■ هل ما تقوله عن الوالدة هو نموذج لتغير المجتمع
وإجباره على أفعال معينة؟- هناك ما يسمى ضغط المجموع، فأنا لا أتحدث
عن صحة الحجاب، ولكن لغتنا أيضاً وصفاتنا اختفت، فعندما نتحدث عن الإسلام
ونشتبك مع أحد الأمور الدينية، نجد الرد «تعال نشوف أبوحنيفة ماذا قال»،
رغم أن الإسلام قال لنا أول كلمة «اقرأ»، ليؤكد علينا ألا نفقد عقلنا،
وأمرنا بالاجتهاد، ولماذا أرجع لما كانوا يفكرون فيه منذ خمسة قرون ولا
أطوره طبقاً لمعلوماتى، فعندما أتحدث عن زراعة الأعضاء أو ثورة المعلومات
أترك الأمر لرجال الأزهر، وهذه المسائل يجب أن يكون المجتهد فيها رجل
الحضارة مثلما كان فى الماضى رجلاً فيلسوفاً ويعلم فى الفلك والحساب، ولو
ترى التماثيل الموجودة فى إسبانيا لابن رشد تسعد، وكان يعمل مع فيلسوف
يهودى يدعى ابن ميمون.■ هل المؤسسة الدينية الرسمية سواء الأزهر أو
الكنيسة جزء من مشكلة الدين فى المجتمع؟- أعتقد أنها نتيجة المشكلة
وليست جزءاً من المشكلة، فشيخ الأزهر قديماً كان بالانتخاب، وبالتالى كانت
له استقلالية كبيرة، أما اليوم فكل شىء أصبح بالتعيين من رئيس الجريدة
ورئيس الجامعة والأزهر، وبالتالى فقدت القدرة على أن يكون الشعب مشاركاً فى
اختيار من يمثلها، فالهيئات الدينية يجب أن تكون تنويرية، وقد شعرت بالخجل
عندما قرأت قضية إرضاع الكبير، فهذا ليس ديناً وإنما غيبوبة فى المجتمع،
فالإسلام ليس فيه وسيط بين العبد وربه، فأى شخص يرى فى نفسه القدرة على
التفسير فليفعل، ولا يجب أن يكون من رجال الأزهر، فإن أخطأت فلك أجر وإن
أصبت فلك أجران، فكل الدين الإسلامى مبنى على التفكير والعقلانية،
فقد خلطنا العواطف فى الأمور التى يجب أن نكون فيها عقلانيين، وهو ما
يعيدنا إلى التعليم، فليس هناك أمل إلا إذا كان هناك تعليم جيد فى جميع
النواحى، فقد قرأت مقالاً للمذيع المعروف «تمسا باستن» بعد أن كان فى مصر،
قال فيه إن المصريين يعيشون على جانب الطريق، فالعالم خرج إلى الفضاء وفك
خريطة الجينات، والمصريون لايزالون فى جانب الطريق، فهذا يحزننى لأنى أعلم
أن فيه جزءاً من الحقيقة.■ تحدثنا عن التكوين العائلى والتكوين
الفكرى والثقافى للبرادعى.. وننتقل إلى التكوين العاطفى، فمن من المطربين
كونوا خلفيتك العاطفية فى الطفولة والشباب، ومازلت حريصاً عليهم إلى الآن؟-
أم كلثوم بالطبع إلى الآن، وفى شبابى عبدالحليم حافظ أثر فى تكوينى
العاطفى، وفى مرحلة تكوينى أيضاً فى الشباب أتذكر مرحلة الجامعة التى جعلتك
تحترم أستاذ الجامعة لأنه لا يجرى وراء المادة، وتعلم بشكل جيد ويعيش حياة
كريمة، فأنا أذكر أن أستاذى حامد سلطان، أستاذ القانون الدولى، كان يأتى
إلى جامعة القاهرة عام ١٩٥٨ بسيارة كاديلاك، وكان رجلاً له عزة نفس وعلم
عظيمان، وعندما جاء لى إلى جنيف عندما كبرت قال لى جملة أذكرها، هى «الكفن
ليس له جيوب».■ تلك المقولة قالها أيضاً الرئيس مبارك فى أول خطاب
رئاسى له عندما قال إنه سيبقى مدة حكم واحدة، فهل سمعتها من الرئيس مبارك؟-
لا لم أسمعها منه، سمعتها من أستاذى حامد سلطان فى السبعينيات، وأثرت فى
نفسى كثيراً، فهذا هو ما يجب أن يكون عليه أستاذ الجامعة، ويجب أن تكون
عينه مليانة، ونوعية هذا الأستاذ افتقدناها كثيراً، ومثال ذلك لا يوجد سوى
فى شخصية دكتور محمد غنيم الذى قرر أن ينشئ مركز الكلى فى المنصورة، ويكسب
ما يمكن مقارنته مع مكسبه إذا عمل طبيباً خاصاً.■ قلت إن أستاذ
الجامعة يجب أن يعمل بمبدأ أن الكفن ليس له جيوب، وهل كذلك يجب أن يكون
رئيس الدولة؟- بالتأكيد، فالعمل العام يجب ألا يكون الهدف فيه سوى
الصالح العام، وهو ما يتطلب أن أعطى كل من يعمل بالعمل العام ما يكفيه، حتى
لا يفكر أستاذ الجامعة فى الدروس الخصوصية، ففى الاتحاد السوفيتى قديماً
كانت هناك أضحوكة، فقد كانت الدولة لا تعطيهم ما يكفى مثلما نفعل الآن،
فكان السوفيت يقولون نحن نتظاهر أننا نعمل لأنهم يتظاهرون أنهم يدفعون لنا،
فنحن نتظاهر بأننا نعطى أموالاً للمدرس، وهو بالتبعية يتظاهر بأنه يدرس.■
وهل تجد أن الدكتور حامد سلطان طبّق مبدأه فى حياته؟- بالتأكيد.■
والرئيس مبارك؟- أتمنى ذلك.■ ولكننا نتحدث عن ٢٨ عاماً
تمتلك فيها قراءة شخصية للأمور؟- لا أعرف مقدار ثروات الرئيس
الشخصية، ولكنى أتمنى ذلك.■ ولكنى أقصد هل طبق المقولة فى تحقيقه
هدف الصالح العام؟- أنا لا أحكم على أشخاص لأننى لا أملك أن أدخل
إلى نفسه، فأنا أحكم على السياسات والنتائج، فالنتائج الآن غير مرضية، فكل
إنسان يعمل بما يراه أنه فى صالح الوطن، لكن الشخص الذى يعمل بما لا يحقق
نتائج طيبة، خاصة أن مصر تستحق أفضل من ذلك، فلابد من تغيير السياسات، ولا
أريد انتقاصاً من قدر عبدالناصر أو السادات أو مبارك، لكن السياسات تحتاج
إلى إعادة نظر مرة أخرى.■ نعود مرة أخرى لفترة الجامعة.. تحدثت عن
التعليم والعمل ولكنك لم تتحدث عن الحب فى حياتك؟- كانت علاقات
عاطفية فى فترة الستينيات فى النادى وكانت عاطفية رومانسية، لكنها لم تكن
قصة حب كبيرة لأننى سافرت من مصر فى سن ٢٤.■ والزواج هل كان
تقليدياً أم زواج حب؟- كان زواج حب، فقد عدت عام ١٩٧٤ من أمريكا
وقابلت زوجتى فى فرح أحد زملائى فى وزارة الخارجية، وكان حباً من أول نظرة،
واستمر الحب لمدة عام بالكامل قبل الارتباط، والحب لايزال موجوداً بعد
الزواج إلى الآن، فنحن متزوجان من ٣٤ عاماً، توجد خلالها خلافات عابرة
لكنها تتحول إلى جزء من نفسى.■ أتتناقشان فى السياسة أم أمور المنزل
فقط؟- زوجتى مستشار سياسى لى، خاصة فى فترة الوكالة وعودتى لمصر.■
وهل أعطيت أولادك مساحة أكبر مما أخذتها من والدك؟- بالطبع، بحكم
تغير الظروف، فلدىّ ولدان هما ليلى الكبرى، ومصطفى الأصغر، وليلى تعمل
محامية فى لندن، ومصطفى يعمل فى شركة مايكروسوفت، والاثنان تربيا فى ظروف
مختلفة لأنهما عاشا فى أمريكا وإنجلترا والنمسا، وقد كنت أحاول أن أوفق بين
القيم المصرية والحضارة الأوروبية، وحاولت أن أعطيهما القدوة لأنها أفضل
طريقة للتعلم.■ ورأى الأسرة فى المرحلة الجديدة من حياتك؟-
معارضة تامة، الزوجة وابنتى تقودان المعارضة لأسباب مختلفة، فابنتى تقول
إنها تريدنى أن أستريح وأجلس وقتاً أطول مع حفيدتى، وأن أتحرر من مسؤولياتى
التى لاتزال موجودة بحكم عملى فى مجال الأمن الدولى أو الطاقة النووية،
فما يأتينى دولياً ٥ دعوات تقريباً لمؤتمرات وندوات أرفضها، وهى شديدة
الانشغال بأمنى الشخصى.أما «عايدة» زوجتى فترى أنه من المناسب أن
نقضى الوقت سوياً الآن، وتقول إننى أديت مهمتى تجاه الإنسانية وإن مصر ليست
سهلة فى المرحلة الأخيرة، وبرغم نصيحتهما فإنه كلما تسنح لى الفرصة للعمل
العام سأعمل فى العمل العام، لأنه جزء من الضمير والتركيب الشخصى.■
وهل تسمع أحد مطربى هذا الجيل؟- طلبت من ابنة أختى أن تضع بعض
الأغنيات الحديثة على جهاز I pod الخاص بى، فوضعت لى أغنيات لعمرو دياب
ومحمد منير، وتعجبنى أغنياتهما، وتقابلت مع منير خارج مصر مرتين.■
وهل مازلت تلعب الاسكواش؟- للأسف لا، رغم نبوغى فيه وحصولى على
بطولة الجمهورية فى سن ١٩ فى نادى الجزيرة، والاسكواش لا يتناسب مع سنى،
وعندما تتاح لى الفرصة الآن ألعب جولف.■ وهل تعرف أكثر السياسيين
لعباً للاسكواش حالياً؟- الرئيس مبارك بالطبع.■ وهل لعبتما
سوياً مباراة اسكواش؟- لا.. لم نلعب سوياً، لكننا تحدثنا حول
الاسكواش، وقلنا إنها رياضة جميلة، وإن السن لا تسمح للفرد بتأديتها كما
كانت من قبل، وقال لى الرئيس مبارك إنه يمارس السباحة حالياً.لابد
من السياسة حتى لو حرصت.. قفز إلى ذهنى احتمال تداوله كثيرون تلميحاً
وتصريحاً.. وكان لابد من طرحه بشكل مباشر على الرجل ليحسمه.. هل يسعى
للتغيير أم يبحث عن دور؟■ ماذا لو طلب منك الرئيس مبارك أو النظام
الحاكم أن تعاونه فى موقع ما وأن تؤدى دورك الوطنى من خلال موقع هذا
النظام؟- أعتقد فى الوقت الحالى هناك اختلاف فى السياسات بينى وبين
النظام، فلا أفضل أن أكون جزءاً من الإطار الحكومى، وأفضل أن أكون مستقلاً.■
وإذا عرض عليك منصب دولى تمثل فيه مصر؟- أود أن أمثل نفسى الآن،
وأمثل قضايا تشغل العالم ككل مثل نزع السلاح أو السلام الدولى، وأرى أن ما
فيه مصلحة للعالم فيه مصلحة لكل دولة، وأعيش مثلما تقول أم كلثوم «أعطنى
حريتى أطلق يدى».■ هل تابعت الجدل الدائر حول الضريبة العقارية؟-
بشكل سطحى، وهى ضريبة معمول بها فى العالم ككل لكن المشكلة فى مصر هى
مشكلة فقر، فصاحب العقار لا يشترط أن يملك ما يزيد لجعله يدفع، خاصة إن لم
يكن يؤجره، الفارق بيننا وبين العالم أن المالك فى مصر لا يشترط أن يملك ما
يدفعه للضرائب، وفى العالم ككل عدم دفع الضرائب جريمة كبرى تتم المعاقبة
عليها بقوة بينما نراها فى مصر شطارة، وذلك يعود إلى أن المواطن المصرى لا
يرى ضرائبه فى صورة خدمات وهو ما يجعلنى أعود إلى قضية الديمقراطية
والحرية، فالإحساس أن الضرائب تؤخذ لتوضع فى جب مظلم.■ هل تعرف قيمة
الضرائب المطلوبة على منزلك؟- لا ولكنى سأدفعها، لأن وضعى المالى
جيد، إلا أننى أتمنى أن تعود تلك الضرائب فى صورة خدمات.■ ومن أين
تشترى الخبز فى مصر؟- للأسف لم أقم بمشتريات إلى الآن، لأننى عائد
منذ أيام، لكن الأمور هنا مختلفة، فلكى تشترى خبزاً فى مصر تحتاج إلى
ساعتين للذهاب والعودة وساعات للوقوف فى الطابور، وهو ما أتمنى تغييره فى
مصر، أن تكون هناك وفرة فى مصر يحصل عليها الجميع من خلال النظام دون النظر
لاعتبارات من أكون.■ من كلمك من المسؤولين فى الحكومة والحزب
الوطنى؟- لا أحد على الإطلاق، مصطفى الفقى حدثنى كأصدقاء فقط، حتى
أحزاب المعارضة لم يكلمنى أحد فى أول أيام وصولى.■ والإخوان؟-
لم يكلمنى أحد.■ والبرلمان؟- لا أحد على الإطلاق.