تزاحم المئات من العمال ونومهم علي الرصيف أمام مبني
مجلسي الشعب والشوري وعند مبني مجلس الوزراء هو تعبير عن ظاهرة مصرية صميمة
حين يستغيث القتيل بالقاتل ويستنجد المجني عليه بالجاني!
كأن هؤلاء النواب لم يصفقوا بأكف ملتهبة لقرارات بيع
المصانع التي يقف عمالها الآن ليحتجوا علي من اشتري بطلب العون ممن باع!!
لكن السؤال: وأين كان العمال أنفسهم يوم باعت الدولة
مصانعهم؟
كيف كان رد فعل العمال حين كان عاطف عبيد ثم أحمد نظيف
ومحمود محيي الدين يبيعون المصانع بنفس طريقة القتلة المتسلسلين في
الأفلام الأمريكية، الغرور الواثق والانتفاخ البارد؟
أغلب الظن أن العمال كانوا أربعة فرق:
الفريق الأول: ذلك الذي اعتقد أن البيع سوف يسهل له
الحصول علي مبلغ المعاش المبكر فيتمكن من أن يجوز العيل ويستت البنت
بالقرشين ويحوش شوية لتحويل الأوضة اللي علي الشارع لبقالة يصرف بيها علي
البيت.
الفريق الثاني: هو الذي اعتقد أن المشتري الجديد سوف
يبقي عليه في مكانه ووظيفته وربما يحصل علي مكافآت وعلاوات تليق به فلماذا
يخاف أو يقلق وهو قاعد قاعد.
الفريق الثالث: هو الذي كفر بطريقة الإدارة في القطاع
العام وبرؤساء مجالس الإدارة والمديرين الذين وضعوا خير الشركة أو المصنع
في جيوبهم بينما ذلوا العمال، فتمني اللحظة التي يخلص فيها من الفسدة ليأتي
مالك يخاف علي رأسماله.
الفريق الرابع: كان يدرك أن البيع بداية للجحيم فتكلم،
لكنه يأس من كونه أقلية ومن أن المحيطين به من زملائه كانوا مرحبين مهللين
للبيع حد أن أخرسته الأغلبية.
الآن.. المصانع التي تم بيعها بالبخس وبالفساد وبالخسة
وبإهدار حقوق الدولة وبرقاعة سياسية مذهلة من القائمين القاعدين علي صناعة
القرار تعاني إهدارًا للثروة وتقطيع أوصال المصانع والشركات وبيعها أراضي
خلاء (شركة حليج الأقطان التي اشتراها وزير الزراعة الحالي تبيع أراضي
المحالج لبناء عقارات وسط مهزلة صمت رخيصة من الجميع لا أستثني منهم
أحدًا!)، ثم هؤلاء العمال الذين سكتوا عن بيع مصانعهم وشركاتهم يتلقون الآن
صفعات وشلاليت من المشترين الجدد الذين اعتدوا علي مكتسباتهم بل فتتوا
مصانعهم!
ولكن ماذا يفعل العمال لمواجهة الموجة الثانية من
تدمير مصانعهم؟
أبدًا.. يقفون في وقفات احتجاجية مثيرة للتعاطف
وللتضامن فعلاً لكن شعاراتهم ومطالبهم تصيب أي عاقل بانكسار الروح، حيث
يطالبون بالعلاوات المتأخرة والمكافآت المؤجلة وبمجرد ما يحصلون عليها ويتم
فتح باب التقديم للمعاش المبكر يتقدم كل العمال (كلهم يعني كلهم ) بطلبات
المعاش!!
العمال تركوا الدولة تبيع.
ثم تركوا المشترين يدمرون.
وكل طلباتهم الحصول علي المعاش المبكر، الذي هو
للمفارقة حوالي أربعين ألف جنيه يتم نسفها بمجرد دخولها بيت العامل من أول
شراء بوتاجاز وتليفزيون جديد وجهاز كمبيوتر للعيال، إلي تغيير الحمام
وتسديد الديون لابن عمته، ثم شراء ثلاجة عرض لوضعها أمام العمارة في مشروع
لبيع الحاجات الساقعة سرعان ما يفشل وتضيع فلوس المعاش!
السؤال هنا: وأين دفاع العمال عن مصانعهم وصنعتهم
وصناعة مصر؟
أين ما كنا نسمعه عن العمال الذين يموتون علي المكن
حتي لا يتعطل أو يتوقف عن الإنتاج؟ أين العمال الذين يعشقون الشغل ويتحدون
تحديًا للاستغلال؟ أين العمال الذين لا يشتريهم مالك مستخف ولا يفرطون في
حقوقهم وزملائهم ولا يخضعون للدولة فيعلنون الإضراب من أجل زيادة الأجور
وتحسين ظروف العمل؟
قد يرد متحمس: إن مصر تشهد في الشهر الواحد قرابة ألف
وقفة احتجاجية وإضراب من العمال، وهذا صحيح فعلاً، لكنها كلها - أقول كلها -
من أجل زيادة عشرين أو ثلاثين جنيهًا أو من أجل الخروج علي المعاش المبكر،
هذه ليست إضرابات ولا احتجاجات هذه طريقة جديدة لتقديم العرائض والشكاوي
والالتماسات، وكلها تطلب من الرئيس ونجل الرئيس أو رئيس الوزراء التدخل كأن
ما يعانيه العمال ليس بسبب تدخل هؤلاء فعلاً!!