لم يعد أحد يستحي حين يقول عن الرئيس مبارك إنه الرئيس الأب ولا كأن
الكلمة تعني عودة مصر عشرات السنين للوراء، وكأنه من المستحيل فعلاً أن
نصبح دولة عصرية محترمة. فلم يحدث أبداً أن تعامل الشعب الفرنسي مع ديجول
أو ميتران أو ساركوزي طبعاً علي أنه الرئيس الأب، أو وصف الأمريكان
أيزنهاور أو كينيدي أو رونالد ريجان أو جورج بوش بالرئيس الأب، ولا غيرهم
من شعوب الدول المحترمة ديمقراطياً والراسخة في العصر الحديث، أما العالم
العربي فيعيش عصر القبيلة وشيخ القبيلة، وكنا نعتقد أن حكم القبائل يقتصر
علي الجزيرة العربية ودول الخليج التي هي مشايخ وإمارات تحاول التحول إلي
دولة فإذا بمصر الدولة العريقة تتحول إلي قبيلة. إخواننا في الحزب الوطني
الذي يتبجح ويتحدث عن المواطنة إذا به عند الزنقة يخرج مردداً «الرئيس
الأب» ويأمر إعلامه الخاص والحكومي بأن يكرر ويؤكد ويثرثر طوال الوقت عن
الرئيس الوالد والأب حسني مبارك !
إن ما يمارسه الحزب الوطني ورجاله من ترويج فكرة الرئيس الأب، وكأن مصر
تحت السلطة الأبوية للسيد الرئيس، إنما يسحب كل ادعاءاتهم الفجة والمزورة
عن المواطنة ودولة المؤسسات وإشي تعددية وإشي دستور وإشي انتخابات وبرنامج
انتخابي.. وعلينا أن نرمي هذه المفاهيم في أقرب سلة قمامة إذا استمر
الوضع علي ما هو عليه من تمجيد هذه السلطة الأبوية التي لا تختلف إطلاقاً
عن السلطة الدينية، فما المطلوب من أي مواطن إلا أن يسكت ويسمع كلام
الرئيس الأب لأننا مش فاهمين حاجة وميصحش تعلي صوتك قصاد والدك، ولا يجب
أن تختلف معه وتعارضه بل تطالب بتغييره، كما لا يصح أبدا أن تقول لا للسيد
المرشد في الدولة الدينية تماما أو أن تعارض البابا في الكنيسة، فهذا هو
الرئيس المرشد والرئيس البابا، خدم الاستبداد، الذين يعتقدون أنهم يحبون
الرئيس أو يدعمونه أو يحمونه عندما يتحدثون عنه باعتباره الرئيس الوالد،
إنما يذهبون بالبلد عن جهل وعن عمد وعن انتهازية وعن نفاق إلي داهية
الانفصال عن العالم والحضارة والسياسة.
يشرح لنا الدكتور فؤاد زكريا معني السلطة الأبوية فيقول (السمة المميزة
لعلاقة رب الأسرة بأفرادها هي أن له عليهم حق الطاعة، وهكذا فإن الحاكم
حين يصبح كبير العائلة أو رب الأسرة الواحدة يطالب لنفسه بحقوق الأب الذي
لا يخضع لمحاسبة أبنائه والذي تطاع أوامره مهما كانت قسوتها برضا واختيار،
والذي ينبغي أن تقابل صرامته بالحب لأنها تستهدف دائما صالح العائلة،
والأهم من ذلك أن الأب أو كبير العائلة هو الذي جمع الخبرة والمعرفة
والرأي السديد وكل من عداه أقل منه قدرة، ومن ثم ينبغي أن يترك القرار له
وحده وعلي الآخرين أن يسعدوا ببقائهم في الظل، وحتي لو بدا أن في قراراته
ظلماً أو عدواناً فإن ذلك يرجع إلي جهلهم بمصالحهم الحقيقية التي يعرفها
الرجل الكبير خيراً من أي فرد من أفراد الأسرة ).
خلاص بقي طالما الرئيس هو الرئيس الأب والوالد نلغي الانتخابات فلا أحد
يختار والده، وإذا كان الحزب الوطني وخدمة النظام في الساحة السياسية
والإعلامية رأيهم أن الرئيس هو والدنا يبقي بلا دستور بلا نيلة فلا أحد
سيحاسب والده أو يسائله أو ينزعه من مقعده وإلا صار عاقاً قليل الأدب يطلب
الحجر علي والده، فيصبح من وجهة نظر الجميع مطروداً من رحمة ربنا، ومع أن
الله سبحانه وتعالي أمرنا : «وبالوالدين إحسانا» إلا أن الشعب المصري قرر
أن يضيف : وبالرؤساء إحساناً!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]