هل يمكن أن يستجيب الرئيس مبارك لنداءات أو مطالبات الإصلاح السياسي وإجراء
تغيير حقيقي نحو ديمقراطية بجد مش كده وكده مثل تلك التي نعيشها؟ مفيد في
هذه الأيام للإجابة عن هذا السؤال أن نستعيد شهادة كاتب صحفي عظيم وراحل هو
جلال الدين الحمامصي، الرجل كان صاحب تاريخ وطني مشرف وكان لفترة صديقًا
للرئيسين عبدالناصر والسادات، وغضب عليه كلا الرئيسين، ثم مع بداية عهد
الرئيس مبارك ظن الحمامصي أنه يمكن لهذا الرئيس فعلا أن يقوم بتغيير حقيقي
ينقل مصر من مجتمع الاستبداد والرئيس الأوحد إلي مجتمع ديمقراطي حر، كانت
التجربة قاسية علي الرجل وحكاها فيما بعد في كتاب مهم يحمل عنوان (مَنْ
القاتل؟)، علي صفحات هذا الكتاب تأتيك الإجابة مشفية شافية؛ حيث كتب جلال
الدين الحمامصي: (لم يكن هناك مفر - لأي مخلص يتطلع إلي تنقية الجو - من
مواجهة الرئيس الجديد بحقيقة مهمة حتي لا تتكرر مآسي الماضي وذلك بالإقدام
علي إجراء تغييرات جذرية تقتلع الذين عاثوا هذا الفساد بكل حقائقه وخفاياه
وما زالوا مع مقدم العهد الجديد يسيطرون علي أدوات الحكم. وكذلك التحذير من
أن الخطر علي الوحدة الوطنية المرتقبة لن يكون في فتح الملفات، بل سيكون
كامناً بترك هذه الجماعات الفاسدة مسيطرة علي الحكم أو قريبة من الإدارة
الحاكمة أو علي الأقل مسيطرة علي السبل المؤدية إلي معرفة ما في هذه
الملفات، وكذلك الاتجاه إلي تحقيق الدفع الديمقراطي الداخلي الذي يوفر
الاستقرار والأمان للجميع).
ويكمل الحمامصي واصفًا الرئيس مبارك:
(كان يبدو أنه يعيش فوق تل من التخوف من هذه الملفات.. هل لأنه كان يعلم
علم اليقين بما فيها وأن ما تشتمل عليه من متفجرات قد يؤثر في النظام الذي
يستند إليه الحكم؟. أم أنه كان يري تركيز اهتمامه علي عناصر التطرف الديني
التي مازالت تملك قوة كبري تهدد بها النظام كله؟ ولعله كان يري أنه لابد من
مواجهة هذه العناصر، إما بإيداعها السجون مستخدمًا في ذلك قانون الطوارئ،
وذلك قبل التفكير في إجراء التغييرات الجذرية التي تشعر الشعب بأنه انتقل
من وضع إلي آخر جديد في كل شيء؟ ولكني لم أوافق الرئيس في رفضه مناقشة مبدأ
التغيير، أو إجراء حوار حول أحسن السبل المؤدية إلي إجرائه بغير هزات
قومية أو صدمات كهربية، ورفضه كذلك قبول النصيحة بأن التغيير في أسلوب
الحكم - وليس استخدام قانون الطوارئ - هو القادر علي خلق مناخ سياسي حزبي
داخلي صالح لمواجهة قومية شاملة مع عناصر التطرف في أي صورة من صوره دينية
كانت أو عقائدية، بل إن هذا التغيير ذاته في شكل الحكم - من عسكري إلي مدني
حزبي - هو واحد من السبل المقنعة لجانب كبير من هذه العناصر بأن جديداً قد
طرأ علي المجتمع، وأن الفراغ السياسي الذي سمح بقيام التطرف في داخل بعض
هذه الجماعات قد بدأ يشغل بتركيبات سياسية قادرة علي احتضان النفوس الشابة
الضائعة التي لا تجد مكاناً تعبر فيه عن آرائها واتجاهاتها).
حاول
الحمامصي أن يشرح للرئيس أن مواجهة العناصر المتطرفة لن يتم بقانون
الطوارئ، بل بالتغيير السياسي الحقيقي.
لم ينجح طبعًا في إقناعه، بل
نجح الرئيس في إسكاته.
نكمل غدًا بإذن الله